قضيت سنوات طويلة أؤمن بقيم الليبرالية . أدافع عنها وأناضل في سبيلها , وأدبج الصفحات في جمالها.
كانت الليبرالية هي الخيار الوحيد المطروح في الساحة !
لقد آمنت أنه بقليل من التعديل ستتوافق هذه الليبرالية الغربية مع الدين الإسلامي وستكون مقبولة للناس وستكتسح المجتمعات ...وستحكم العالم العربي والإسلامي ...
وكطفلة صغيرة تضفر جدائلها على الأمل الموهوم بلعبة جميلة تقضي وقتاً في أحضانها , ذهبت احلم !
كنت أظن أن دعاوى العدل الذي تصدح به الليبرالية هي دعاوى حقيقية !!
وأن حقوق الإنسان هي معصرة الليرالية الخالصة , وأن الحرية والمساواة التي يُنادى بها آناء الليل
وأطراف النهار هي قيم حقيقية تستحق التضحية وبذل النفيس في سبيلها .
لقد توهمت لسنوات طويلة أن لا خيار سوى هذه الليرالية , فذهبت لذلك أدافع في كتاباتي الصحفية عن
الليبرالية وعن أبطالها وعن كُتَّابها ومفكريها ..
كنت , كما هم كل الليبراليين العرب , أمريكية الهوى يشدني المجتمع الأمريكي , وتُعجبني منظوماته
الفكرية والأدبية والسياسية والاقتصادية ...
كنت أقرأ لفكرهم أكثر مما أقرأ في صفحة واقعنا وحضارتنا وديننا ...
لفترة طويلة صدقت أن الليبرالية هي الحل , وأنها ستكون مقبولة للناس , وأنها ما سيحفظ للناس حقوقها
وأنها ما سيردع الحكام والساسة عن التطاول على حقوق الضعفاء..
كنت أقرأ لكل الكتَّاب الليبراليين في السعودية , فأظن أنهم معي على ذات الطريقة , وعلى نفس الهدف ,
يكتنفهم الهمَّ نفسه الذي يكتنفني , ويؤرقهم ما يؤرقني .
كنت أصدق , يا لضيعة العقل , أنهم صادقون في دعاواهم , مخلصون في نصحهم , أمناء في مطالبهم .
صدقت كل ما يقولونه ...وأمنت على كل ما تجود به قرائحهم ...
لم يكن لدي خيار آخر , فالخيار الآخر هو الإسلامويون كما يسميهم أستاذي السابق !
كانت صورة الإسلامويين في خيالي باهتة متخلفة متعجرفة ولا تلوموني فهذا ما تعلمته على يد الليبرالية
لم أكن لأصدق ولو حلف لي العالم أنه قد يوجد إسلاموياً يهتم بحقوق الإنسان أو يفهمها على الأقل !
بل ودون مبالغة ما ظننت أن هناك مثقفاً قد يرضى بإطلاق لحيته أو تقصير ثوبه أو أن مثقفةً قد تلبس قفازاً
أسوداً وعباءةً وتغطي وجهها في عصر الفضاء والأنترنت !! لقد كانت هذه القشور تصدني عن الحقيقة ,
إضافةً إلى بعض التجاوزات التي تحدث من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفظاظتهم
أحياناً.
صدَّقت أن كل من يرى أن الحل هو الإسلام إنما يطرح مصطلحاً غير حقيقي , وأنَّه إنَّما يريد من وراء طرح
هذا المصطلح مكسباً سياسياً ...لقد كان كل من ينادي بتطبيق الشريعة مجرماً في نظري ..
هذا كله رغم أنني أحب الإسلام وتاريخه وحضارته , لكنه حب أجوف لا دليل عليه ولا طريق إليه.
قضيت السنوات الطويلة أقرأ في كتب فلاسفة عصر النهضة الغربيَّة , وفي أدبهم وفكرهم ومطارحاتهم
حتى ما عاد في صدري مكان لسواهم !
التحقت بأحد جرائدنا التي توسط لي عندهم أحد أساتذتي الليبراليين ممن يكتبون فيها , وذهبت أكتب في
سحر الليبرالية وجمالها لكن بطريقة ملتوية خوفاً من مقص الرقيب وخوفاً من وصمي بالنفاق أو تكفيري
من قبل الإسلامويين...
في الجريدة بدأت خيوط الوهم تتكشف أمام ناظري ...
اتصل بي من خلال البريد الكثير من الليبراليين والليبراليات للتواصل ودعم التوجه الليبرالي بزعمهم
وخلق جبهة ليبرالية تنسق فيما بينها وتتعاون في سبيل أهداف الجميع .
طوال هذه المدة لم أكن لأترك الصلاة , فقد كانت من المحرمات الكبيرة في حياتي .
لكنني منذ أن تعرفت على بعض الكاتبات الليبراليات وجدت عندهم تفريط رهيب في الصلاة بل وسخرية ممن
يواظبون عليها !! لم يتوقف الأمر عند الصلاة , بل أنني سمعت بأذني أن الكثير من الكتاب الليبراليين
والكاتبات الليبراليات من الفاسدين أخلاقياً يتراوح انحرافهم بين شرب الخمر والزنا وغيره مما أنزه آذانكم
عن قوله في هذا الشهر الكريم . وحتى لا يتهمني أحد بالكذب أقول أن هذا هو ما صرح به إلي بعض
الكاتبات بأنفسهن !
هالني الانحرف الأخلاقي الكبير لدى دعاة الليبراليَّة في وطني , وبدأ زعم المصداقية والشرف والأمانة الذي
يدعونه ليل نهار يتزعزع عندي
بدأت تتنازعني الشكوك حول مصداقية دعاة الليبرالية في بلادي, وبدأت افتح عيني جيداً.
تكشفت لي الكثير جداً من الأسرار من خلال كتاباتي في الجريدة , واتصالي بالليبراليات والليبراليين
ومحاورتهم .
اكتشفت أن هناك علاقات بين بعض الكتاب والكاتبات والبعض منهم متزوجون !!
اكتشفت لقاءات دورية مشبوهة في استراحات خارج المدينة تُدار فيها كؤوس الخمرة , ورقص الفتيات
في حضور الكتاب والكاتبات .
اكتشفت أن هناك الكثير من اللقاءات التي تُعقد خارج المملكة , والمؤلم أن بعض الكُتَاب الليبراليين
يواعد كاتبة ليبرالية في البحرين من وراء ظهر زوجها الليبرالي !!
اكتشفت خداع بعض القائمين على الصفحات ممن نظنهم شرفاء وأمناء وأنقياء ...
أحدهم اغتصب فتاة كانت تراسله وينشر لها رسائلها بعد التعديل والتحوير, وحين انكشفت فعلته تدخل
مالك الجريدة الذي يرتبط بعلاقات قوية مع الأمراء وأخرجه من السجن وأوقفه لشهر ثم عاد لعمله وكأن
شيئاً لم يحدث !!
اكتشفت أن أحدهم يكتب بأسماء أنثوية ويطرح مواضيع مثيرة ومغرية لجلب أكبر عدد من الكُتَاب , وهذا
على فكرة مشهور جداً , حتى أن بعض الكاتبات يمازحنه بمناداته بالأسم الأنثوي الذي يكتب به !!!!!!
اكتشفت أن الليبرالية التي ينادون بها هي حروف يتداولونها , يمررونها على البسطاء والسذج , فلم أجد
أشد منهم ديكتاتورية وتسلط وأحادية في الرأي. فكر أن تعارض أحدهم أو إحداهنَّ أمام جمع من الناس
وانظر كيف يجيبون على تلميحاتك ؟!
اكتشفت أن الكثير من الكُتَّاب الليبراليين هم طلاَّب مال وجاه وشهرة , لا أقل ولا أكثر, وأنهم مستعدون
للتخلي عن الكثير من قناعاتهم في سبيل ليلة حمراء في مكان ما !
قلة قليلة من الكُتَّاب الليبراليين يُعدون على الأصابع كان يزعجهم الذي يحدث لكنهم لا يستطيعون تغيير
شيء . أحدهم سألته مرة عن الذي يحدث وكيف نكافحه فرد علي : أتصدقين أنني بدأت أفقد ثقتي بالمشروع
برمته , وأنني بدأت التفكير في التوقف والانعزال عن هذه البيئة الموبوءة , ولو أخبرتكم باسمه لاندهشتم!
اكتشفت أن أحد رؤوساء التحرير يرسل لكتاب جريدته طالباً منهم طرح مواضيع مثيرة مثل : إغلاق هيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وحجاب الوجه , والاختلاط , وسياقة المرأة للسيارة !! والسبب في
طلبه هذا أنه يقول أن جريدة الوطن نجحت في كسب جماهيرية بطرقها لهذه المواضيع !!! هكذا هي عقلية
بعض رؤوساء تحريرنا !
حتى بعد اكتشافي لهذه الحقائق لم أكن لأتخلى عن الليبراليَّة أو أفكر في تركها , حتى جاءت أحداث
الحادي عشر من سبتمبر ,,, فعدت أقرأ بعين أخرى غير التي كانت قبل الحادي عشر من سبتمبر !!
قرأت الليبراليَّة مرة أخرى ...بانفتاح ....وهدوء ...أخذت وقتي في ذلك ...ثم قرأت كتب التراث العربي
والإسلامي وخصوصاً الفلسفي منه حتى خرجت بقناعة أن المشروع الليبرالي العربي والسعودي منه هو
مشروع فاشل وسينتهي بالارتماء في أحضان الغرب حتماً فما يخرج من الرحم لا يُفطم إلا على يدي سيدة
الرحم, وهو ما حصل فعلاً لكن الغرب لم يفطم الليبرالية العربية بل يراها دائماً كالذنب !
أدهشني تسابق الليبراليين السعوديين على طلب ود أمريكا بطريقة وقحة لا تحترم مشاعر الجماهير, وهو
ما كنت انكره دائماً وأدافع عنه وأقول أنه زعم الإسلامويين وتلفيقهم وتلك المؤامرة التي لا يرون إلا من
خلالها , لكن الذي حدث أمام عيني غيَّر كل شيء وكان كالقشة التي قصمت ظهر البعير !
نظرت في العالم العربي حولي , وذهبت أرى من هم أهل الخط الأول في الدفاع عن كرامة الأمة والأوطان ,
ومن هم الذين يمسكون بدفة الحكم ويتحالفون معه ...
وجدت أن الليبراليين في مصر وتونس والمغرب والأردن والعراق والكويت والسعودية والبحرين وقطر
والجزائر وفي طول العالم العربي وعرضه وجدت أن الليبراليين هم من يطبلون للحكام , ويدعونهم لخنق
أصوات أي معارضة وخصوصاً المعارضة الإسلامية ...! سبحان الله أهذه الليبرالية التي نشأت على العدل
والإخاء والحرية والمساواة ؟! ما الذي حدث لي ولم يجعلني أرى قبلاً كل هذا الهزال الذي فيها ؟! وكل هذا
الكذب والدجل الذي نما عليها كالطحالب الميتة ؟
على الجانب الآخر رأيت الإسلامويين , رغم ضعفهم إعلامياً , هم الأقوى والأشرف وهم الذين يبذلون دماءهم
في سبيل الأوطان , وضد الهجمة الصليبية على أوطاننا ...
وجدتهم في فلسطين الكريمة ...وفي العراق ...وفي أفغانستان ... لقد كانوا خط الدفاع الأول ضد التوسع
الأمريكي ..تساءلت مالي لم أر ليبرالياً واحداً قاتل اليهود أو الأمريكان , لم أرهم إلا على الدبابات الأمريكية
يأتون كفاتحين وهم الخونة , كأبطال وهم الرعاددة الجبناء !
زنا وخمور ....كذب ودجل ...نفاق وخيانات ...مال وشهرة ...
هذه هي قصة الليبرالية في وطني , ولا ينبئك مثل خبير